المحرر: هبة محمود
كان الطفل “عبد الله خالد” صاحب السنوات العشر، يتقاسم مع اقرانه داخل إحدى مراكز دور إيواء بمدينة بورتسودان، الادوار في أكثر الألعاب شعبية بالسودان ( البوليس والحرامي) وهو يصر على لعب دور رجل الشرطة للامساك بأفراد الدعم السريع واللصوص وغيرهم ممن احالو حياته جحيم، واقعدوه عن سنوات تعليمه الغض.
يروي عبد الله ل “المحرر” كيف أنه يشتاق للعودة إلى مدرسته بالعاصمة الخرطوم وكذا بيته ومسقط راسه الذي لا يعرف عنهما بديلا، كما يكشف عن افتقاده لخصوصيته وراحته، ومدى احتياج أسرته المادي في ظل الأوضاع التي يعيشونها.
وفيما يظل عبد الله نموذج لواحدة من مآسي الأطفال في حرب السودان، تعج مناطق القتال و مراكز الإيواء ورحلات النزوح واللجوء بالكثير من القصص المؤلمة والمفجعة، مع تنامي مخاطر الإصابة بالأمراض والاوبئة، فيما يعاني، الأطفال داخل معسكرات إقليم دارفور غربي السودان، بأمراض سوء التغذية.
وتزداد المخاطر على الأطفال عقب إعلان منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، أن أكثر
من ثلاثة ملايين طفل معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا وأمراض مميتة أخرى في السودان
أوضاع صعبة
ومنذ إندلاع القتال في السودان، يعيش الأطفال أوضاعا إنسانية صعبة للغاية سيما في أماكن الحرب والنزوح، في وقت لم تزل فيه الأعمال العسكرية مستمرة، ما يخلق بالمزيد من التعقيدات.
وفيما يعتبر الأطفال ” الحلقة الاضعف” في هذه الحرب، فان جيلا كاملا من الأطفال السودانيين، هم الأكثر تأثيرا في ظل توقف حياتهم و مستقبلهم على محك انتهاء الحرب.
وبحسب ممثل منظمة اليونيسف في السودان، شيلدون يت، فان الأطفال في السودان يعانون من أزمة تعليم حادة، حيث لا يزال حوالي 18 مليون طفل خارج المدارس بسبب الحرب. كما أنهم معرضون لخطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا، وانتهاكات جسيمة لحقوقهم، تشمل، من بين أمور أخرى، التجنيد في الجماعات المسلحة والزواج المبكر.
بالأرقام.. أطفال تحت وطأة المعاناة
ويواجه الأطفال خاصة في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع أوضاعا إنسانية مختلفة.
فبحسب الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة د. عبد القادر عبد الله ابو، فإن أوضاع إنسانية صعبة يواجهها الأطفال داخل مناطق سيطرة المليشيا.
وقال إن الأطفال في كل من الخرطوم ودارفور وكردفان يعانون الأمرين، في ظل سوء المأوي والمأكل وتوقف الحياة.
وأشار في تصريحات سابقة لصحيفة “الكرامة” السودانية، عن وجود نحو 3 مليون طفل داخل ولاية الخرطوم، في كل من مناطق بحري ومنطقة جنوب الخرطوم، يحتاجون للإغاثة الفعلية جراء ما يواجهون.
فضلا وجود عن أكثر من 2 مليون طفل في مناطق شمال وجنوب وغرب كردفان يعانون من الناحية الصحية والمعاشية.
وطالب عبد القادر وكالات الأمم المتحدة بضرورة التدخل العاجل في مناطق جنوب كردفان حيث يعاني الأطفال أوضاع إنسانية صعبة وصلت حد حالة مجاعة الفعلية بسبب انعدام الدواء والغذاء.
ووصف الوضع الحالي للأطفال داخل إقليم دارفور بالمتأزم جدا، في ظل توقف الدراسة وتدهور الصحة فضلا عن سوء المأوى والمعاش، نتيجة لممارسة القتل والتخويف وكل الممارسات الجسيمة، التي جعلت معظم الأطفال ما بين لاجئين في تشاد و جنوب السودان، أو نازحين في بعض القرى الآمنة، بحد قوله.
وفي منطقة ام روابه قال عبد القادر ان أوضاع الأطفال رديئة، فهم بلا دراسة ولا تعليم فضلا عن أن النظام الصحي يحتاج للتدخل العاجل..
ونوه إلى أنه وعلى امتدادات مناطق غرب مدينة الأبيض فان الأطفال بحالة سيئة جدا، بالإضافة إلى مناطق غرب كردفان التي تسيطر عليها المليشيا، بعد منعها دخول الدواء والغذاء في مناطق سيطرتها.
خطر الامراض المميتة
والثلاثاء أعلنت منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا وأمراض مميتة أخرى في السودان.
وأشارت المنظمة الأممية في بيان إلى أن وزارة الصحة السودانية أعلنت رسميًا عن تفشي وباء الكوليرا بعد الإبلاغ عن موجة جديدة، حيث تم الإبلاغ عن 8457 حالة إصابة و299 حالة وفاة في ثماني ولايات في السودان.
وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان إنه مع هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، يمكن أن تنتشر الأمراض بسرعة أكبر وتؤدي إلى تفاقم الوضع المعيشي
للأطفال في الولايات المتضررة وخارجها.
وأشار إلى أن السودان يعاني من تفشي العديد من الأمراض بما في ذلك الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.
وأضاف أن “التقديرات تشير إلى أن 3.4 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر الإصابة بالأمراض الوبائية، وتنبع الأزمات من الانخفاض الكبير في معدلات التطعيم وتدمير البنية الأساسية للصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة نتيجة للصراع المستمر، كما أن تدهور الوضع الغذائي للعديد من الأطفال في السودان يعرض الأطفال لخطر أكبر”.
وأوضحت اليونيسف أنها تنفذ استجابة متعددة القطاعات بالشراكة مع وزارة الصحة الاتحادية ومنظمة الصحة العالمية للسيطرة على تفشي الكوليرا في الولايات المتضررة والحد من انتشار المرض.
مصير مجهول
ويرى خبراء في علم الاجتماع أن الأطفال في السودان يواجهون مصيرا مجهولا وغامضا، بالإضافة للكثير من التعقيدات السلوكية والنفسية، المكتسبة من الحرب.
فعلاوة عن القتال والنزوح يعاني الأطفال من الأمراض الأوبئة ونقص الدواء واللقاحات والخروج من المنظومة التعليمية وسوء التغذية والعنف المباشر والغير مباشر.
وبحسب نائب المدير التنفيذي لليونيسف، تيد شيبان. في تصريحات سابقة فان “حوالي نصف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، حيث يدور قتال مستمر، مما يجعل ظروفهم أكثر خطورة.
وزاد: كل هذا يمكن تجنبه، ويمكننا إنقاذ الأرواح إذا سمحت لنا جميع أطراف النزاع بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة والوفاء بمهمتنا الإنسانية – دون تسييس المساعدات.”
ضرورة توقف القتال
وناشدت أسر داخل مراكز إيواء، كل من اليونيسف والمنظمات الأخرى بضرورة تكثيف الدعم للأطفال في ظل تنامي الحوجة، كما كشفت أمهات تحدثن ل” المحرر” من مخاوف على مستقبل ابناءهن في ظل تفشي الأمراض وتوقف عجلة التعليم.
وتتخوف آمنة مختار _ أربعينية _ من استمرار الحرب أكثر من ذلك، وخروج أبنائها عن دائرة التعليم تماما، في في ظل عدم الحوجة لم تتمكن بالخروج بهم إلى خارج البلاد أو الحاقهم باي مدرسة.
وناشد عبر “المحرر” بضرورة وقف الحرب حتى تتمكن من العودة إلى منزلها ويعود أطفالها إلى مدارسهم.
وتناصف سيدة الطاهر _ خمسينية _ جارتها بالمخيم آمنة مختار الحديث ل” المحرر ” وهي تسخط على الحرب التي ابدلت حالهم رأسا على عقب، مناشدة اليونيسف والمنظمات الاممية الأخرى بضرورة إيجاد حل للأطفال لمواصلة التعلم، كما طالبت بوقف الحرب للحفاظ على الأطفال من القتل وما يتعرضون له من انتهاكات.
مخاطر استمرار الحرب
وفي أغسطس الماضي قدم ممثل منظمة اليونيسف في السودان، شيلدون يت نداء عاجلا إلى أطراف النزاع لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال المحتاجين، مؤكدا أن مستقبل السودان يعتمد على حماية أطفاله وتوفير بيئة آمنة لهم للتعلم والنمو.
وقبل يومين حذّر شيلدون ييت من أنّ “الهجمات المروّعة” التي تُسجَّل وسط الاقتتال الدائر في السودان تمضي في إلحاق الضرر بالصغار. وقد على “وجوب توقّف موجة الفظائع التي تُرتكب في حقّ هؤلاء الأطفال”.
وقد نقل المكتب الإقليمي لمنظمة يونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصريحاً أخيراً صادراً عن ييتّ، جاء فيه أنّ في وقت سابق من هذا الأسبوع، أفادت تقارير بمقتل وإصابة ما لا يقلّ عن 30 طفلاً، وذلك نتيجة سقوط قذائف على مدينة سنّار في وسط البلاد. وأشار المسؤول الأممي إلى أنّ “الهجمات المروّعة تمضي في التسبّب في أذى ومعاناة كبيرَين بين الأطفال”، إلى جانب “أضرار ودمار واسع النطاق تطاول البنية التحتية الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال في البلاد.
وبيّن المسؤول الأممي أنّ الأسلحة المتفجّرة، في العام الماضي، تسبّبت في أكثر من نصف الحالات التي قُتل أو أُصيب فيها أطفال في السودان، بحسب ما وثّقته الأمم المتحدة.
انتهاكات موثقة
وشدّد ييتّ على وجوب توقّف العنف الذي يستهدف أطفال السودان وكذلك الهجمات التي تطاول البنية التحتية المدنية، وجدّد في هذا الإطار الدعوة التي توجّهها مراراً وتكراراً وكالته التابعة للأمم المتحدة إلى طرفَي الصراع من أجل “الوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي”، بالإضافة إلى “اتخاذ كلّ الإجراءات الاحتياطية الممكنة لحماية الأطفال”.
وتابع المسؤول في منظمة يونيسف، في التصريح نفسه، أنّ عام 2023 شهد أكبر عدد من “الانتهاكات الجسيمة الموثّقة ضدّ أطفال السودان منذ أكثر من عقد من الزمن”. وشرح أنّ تلك الانتهاكات شملت قتل الأطفال وتشويههم بنسبة قُدّرت بنحو 72%، تلاها تجنيد الصغار واستغلالهم من قبل الجماعات المسلّحة وتعرّضهم للعنف الجنسي.
نوبات نفسية
وبحسب الخبيرة النفسية ترتيل علي ل ” المحرر ” فان الأطفال هم أكثر الفئات المجتمعية تضررا جراء هذه الحرب، منوه إلى دخول عدد منهم في نوبات نفسية بسبب ما واجهوا في الحرب.
واوضحت إن الحرب اندلعت بشكل مفاجئ لهؤلاء الأطفال، دون أي تمهيد، صاحبه تغيير حياتي كامل، ما نتج عنه تغيير سلوكي واجتماعي واضح.
وقالت إن امتصاص الأطفال الصدمة الأولى وتقبلهم “مرغمين” حياتهم بشكلها الحالي سيما الأطفال داخل معسكرات النزوح واللجوء، نتج عنه احساس الحسرة على حياتهم وضياع مستقبلهم.
ورأت ان الاحساس بالحسرة لدى الأطفال يعد من أخطر الأشياء لما يولده من حالة اكتئاب او غبن سيما في ظل عدم وجود عدالة بين الأطفال في مسألة التعلم.
GIPHY App Key not set. Please check settings