تركيا على الخط.. حراك دولي مكثف.. هل يحقق اختراقا لوقف الحرب؟

فريق المحرر

تقرير: أميرة الجعلي

شهدت الأيام القليلة الماضية حراكا دوليا مكثفا لحل الأزمة السودانية على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك مع قرب انتهاء فترة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، ومطالبة عدد كبير من نواب في الكونغرس   بضرورة فرض الحلول العاجلة لوقف المأساة الإنسانية في السودان خاصة مع تسليط الضوء مجددا على استمرار تدفق شحنات الأسلحة بواسطة الامارات الى مليشيا الدعم السريع والتي كشفتها مجددا الأسبوع الماضي كل من صحيفة (النيويورك تايمز، والفاينشنال تايمز، ووكالة رويترز)، الأمر الذي تزامن مع قصف المدنيين في معسكر زمزم في الفاشر وانتهاكات الدعم السريع في قرية (أبو زريقة) في دارفور.

علامات استفهام

وفي ظل الحراك الدولي المكثف نالت مبادرة الرئيس التركي رجب اوردغان للتوسط بين السودان والإمارات لوقف الحرب الاهتمام السياسي الأكبر في ظل نجاح تركيا لنزع فتيل التوتر بين اثيوبيا والصومال، مع صدور إشارات إيجابية من حكومة السودان وترحيبها بهذه المبادرة، لاسيما مع ازدياد التأثير والنفوذ التركي في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا. وأختارت تركيا دور الوسيط بين الدولتين السودان والإمارات ولم تتدخل في أي جهد جماعي يجمع المليشيا و الجيش.

هذه التطورات ترفع أكثر من علامة استفهام عن موقع المبادرة التركية في خارطة المبادرات الإقليمية الأخرى لحل الأزمة السودانية وهل تعتبر جهدا مكملا لمنبر جدة، أم أنها تفترع مسارا جديدا بتطبيع العلاقات السودانية الإماراتية لوقف الحرب. وللأجابة على هذا السؤال لابد من ان نسلط الضوء على طبيعة الحراك الدولي مؤخرا حول السودان.

مجلس الأمن على الخط

وفي هذا السياق تعد أبرز ملامح هذا الحراك الدولي ما تم  في اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي ترأسه وزير الخارجي الأمريكي أنتوني بلينكن والذي طالب القوى الإقليمية الداعمة للمليشيا بالتوقف عن ذلك فورا، معلنا عن زيادة المساعدات الإنسانية للسودان، كما نوه ممثل روسيا في مجلس الأمن برفض بلاده لأي حلول أحادية تنتهي سيادة السودان.

وشهدت الجلسة أدانات من مختلف الدول مثل فرنسا وبريطانيا ضد إنتهاكات الدعم السريع خاصة قصف معسكر النازحين في زمزم، كما قدم سلطان المساليت السلطان بحر سعد الدين شهادته أمام المجلس، مؤكدا على قتل الدعم السريع لـ10 الف من المدنيين في غرب دارفور.

اعتراف صريح

وتزامن مع ذلك حراك سياسي كبير من الكونغرس الأمريكي حيث طالب بعض النواب بوقف صفقة السلاح مع الامارات احتجاجا على مواصلة الامارات دعم المليشيا في السودان.

وقد وعدت الإدارة الامريكية أنها ستقدم في 17 يناير القادم تقييما شفافا لمدى التزام الامارات بعدم مواصلة تقديم الدعم العسكري للمليشيا الآن ومستقبلا، مما دفع مراسل نيويورك في افريقيا ديكلان وولش للإشارة  الى ان هذا الوعد يعتبر بمثابة اعتراف صريح من الامارات بدعمها السابق للمليشيا.

محاولة لأحياء

وفي ذات الوقت لا يمكن تحليل مدى جدية وطبيعة الوساطة التركية دون ربطها موضوعيا بالمبادرات الإقليمية وعلى رأسها مبادرة منبر جدة.

اذ لم تمضي سوى عدة أيام من اعلان الرئيس التركي مبادرته لوقف الحرب في السودان حتى حطت طائرة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي في مطار بورتسودان الذي أجرى مباحثات مطولة مع رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان أكد خلالها حرص المملكة على إستتباب الأمن والإستقرار في السودان.

وبحسب متابعات (المحرر) حاولت الزيارة إعادة احياء منبر جدة حسب توجهات الحراك الدولي الذي تم في نيويورك وموريتانيا والعاصمة الأمريكية واشنطون.

تقليل الزخم

إعتبر مراقبون إن زيارة نائب وزير الخارجية السعودي محاولة لتقليل الزخم الذي خلقته المبادرة التركية الأسبوع الماضي وذلك خوفا من سحب البساط من الدور السعودي الأمريكي المشترك في منبر جدة الذي فشل لأكثر من عام من التوصل الى وقف لإطلاق النار. وبحسب المراقبين ان منبر جدة حاول ان يدمج المسارين السياسي والعسكري وان يربط الحل النهائي بإنتهاء العملية العسكرية وبدأ العملية السياسية المدنية، بما في ذلك قضايا معقدة وشائكة ترتبط بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية مع إصرار واشنطون على عودة المدنيين الى سدة الحكم مجددا وإعادة الدعم السريع الى وضعه السابق قبل الحرب.

مشروعات التسوية

وبحسب ما أعلنته الرئاسة التركية ان المكالمة الهاتفية التي جمعت بين اوردغان والبرهان فإن المبادرة التركية تقوم على التوسط بين السودان والامارات التي يتهمها الجيش السوداني بدعم مليشيا الدعم السريع، وأكد اوردغان ان وساطته ستعتمد علي مبادئ واضحة ابرزها الحفاظ على وحدة السودان وسيادته ومنع تحول أراضية الى ساحات للتدخل الأجنبي، معربا عن قلقه من إستمرار النزاع في السودان على الإستقرار الإقليمي.

وبهذا تعد المبادرة التركية أبرز مشروعات التسوية الإقليمية للحرب في السودان خاصة وانها قفزت فوق مشروعات مبادرات الحل الراهنة التي تركز على الوساطة بين الجيش والدعم السريع، باعتبارههما طرفي النزاع وآلت على نفسها ان تصوب جهدها السياسي والدبلوماسي للوساطة بين السودان ودولة الامارات المتهمة بتسعير الحرب في السودان، كما انها تميزت بأنها مبادرة معلنة خاصة وأن هناك جهود مماثلة تقوم بها مصر والسعودية للتوسط بين السودان والامارات ولكنها تدور خلف الستار مما أفقدها الفعالية والتأثير.

بداية مبشرة

وأوضح المراقبون ان مبادرة تركيا وجهود السعودية بإعادة تفعيل منبر جدة  تتكاملان ولا تتقاطعان، إذ ان هناك إجماع داخل السودان وعلى المستويين الإقليمي والدولي ان وقف الحرب يرتبط ارتباط قطعي بوقف الدعم الاماراتي.

ولعل ما أعلنه مراسل نيويورك تايمز ان الإمارات تعترف للمرة الأولى للبيت الأبيض بهذا الدعم تعتبر بداية مبشرة للتعامل مع الواقع.

ثقل سياسي

ولكن هل تنجح تركيا فيما فشلت فيه السعودية ومصر من قبل خاصة وان انقرة قد نجحت في رأب الصدع بين الصومال واثيوبيا.

قال محللون استنطقتهم (المحرر) انه لاشك ان تركيا تتميز بثقل سياسي ونوعي ملحوظ على المستوى الإقليمي وبالتالي تملك النفوذ والتاثير لتحقيق وساطة ناجحة بين الطرفين ولكن مما يزرع بذور الشك في نجاح الوساطة هو الموقف الإماراتي المتشدد ورؤيتها السياسية للحل التي تقوم على ابعاد الإسلاميين وتمكين القوى المدنية من الحكم وإعادة موضعة الدعم السريع في سودان ما بعد الحرب واجراء إصلاحات تحد من دور الجيش في السياسة وهي شروط بطبيعتها تكاد تكون مرفوضة من الرأي العام السوداني خاصة مع ولوغ القوى المدنية في مساندة الدعم السريع ومشاركتها في الإنتهاكات التي تمت ضد الشعب السوداني.

ضغوط دولية

وحسب المحللون فإن من مصلحة الإمارات التوصل الى حل لحفظ ماء الوجه بعد ازدياد الضغوط الدولية وتشدد نواب الكونغرس وكشف كل أنواع المساندة والدعم الذي قدمته للمليشيا الذي نشرتها ووثقتها الصحافة الدولية مع وجود مؤشرات في واشنطون على أن إدارة ترامب القادمة ستضغط من اجل وقف الحرب خوفا من تأثيرها على الإستقرار الإقليمي.

وعليه فان الوساطة التركية مرهونة بتنازلات الطرفين خاصة مع تمسك الجيش برفض عودة الدعم السريع سياسيا وعسكريا في سودان ما بعد الحرب.

في ذات السياق يربط المحللون بين هذه التطورات وزيارة رمطان العمامرة المبعوث الأممي الى بورتسودان انفاذا لقرار مجلس الأمن الذي جدد الثقة في جهوده.

شعور بالفشل

وقال المحللون ان العمامرة يشعر بروح الفشل بعد المشاورات التي عقدها في جنيف من قبل والتي غاب عنها حكومة السودان حيث اعتبرها الجيش إلتفافا على مبادرة جدة وخلق منبر موازي يساوي ما بين المؤسسات الشرعية في السودان والدعم السريع.

وأضافوا “لاشك ان جهود رمطان العمامرة وما يحمله من مقترحات جديدة لحوار بين القوى السياسية بعد فشل جهودة في جنيف إضافة الى مخرجات مجلس الأمن، ومقررات الاجتماع التشاوري في موريتانيا، وما احدثته مبادرة الرئيس اوردغان للتوسط من جهة وزيارة نائب وزير الخارجية السعودي الى بورتسودان لتفعيل منبر جدة من جهة أخرى، فإن هذا الزخم سيقود بلا محالة الى خلق وضع جديد للقضية السودانية تزيد من فرص الحل، مع بقاء التحديات الراهنة المتعلقة بالتسوية النهائية حول مستقبل الدعم السريع وحلفائه المدنيين.

ويبقي السؤال المحوري هل يشهد السودان مع ميلاد العام الجديد بؤرة أمل لوقف الحرب ام سيزداد الوضع تعقيدا مما يطول من أمد الحرب؟

Share This Article
error: Content is protected !!
Exit mobile version