
مقابلة: المحرر
أثارت تصريحات سفير السودان لدى موسكو السفير محمد الغزالى لوكالة (ريا نوفوستي) الروسية حول عدم الغاء القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر قبل 3 أسابيع ردود فعل واسعة، تناولتها كافة وسائل الإعلام الداخلية والخارجية، أجرت (المحرر) هذه المقابلة لمزيد من التوضيحات، وهل السودان يواصل مفاوضاته مع الجانب الروسي لإنشاء القاعدة البحرية وأنه لا يخشى التلويح بالعقوبات الأمريكية؟ بجانب تطور العلاقات السودانية الروسية:
أثارت تصريحاتك لوكالة (ريا نوفوستي) الروسية ردود فعل كبيرة، نريد توضيحا أكثر دقة هل السودان يواصل مفاوضاته مع الجانب الروسي لإنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر و بالتالي لا يخشي التلويح بالعقوبات الامريكية؟
أود في البداية ان أوضح إنها ليست قاعدة عسكرية، وإنما هي إتفاقية نقطة الدعم المادي واللوجستي للسفن الروسية بالبحر الأحمر. ربط تطبيق هذه الإتفاقية الموقعة بين البلدين في العام 2019 بالعقوبات أوردته وكالة (بلومبيرج) عندما نشرت خبرا غير موثوق بأن السودان تخلى عن الإتفاقية مخافة العقوبات، قامت الوكالة نفسها بحذف الخبر. كما روجت صحيفة الكترونية تسمى (موسكو تايمز ) بتاريخ 18 ديسمبر ايضا نفس الخبر علما بأن الصحيفة تصدر في أوروبا منذ العام 1992وحظرتها السلطات الروسية في العام 2022 بإعتبارها غير مهنية في تناولها لأخبار روسيا، لعل الصورة تكون وأضحة الان حول مرامي وأهداف هذين المصدرين حيث من الواضح ان هذه التصريحات ذات غرض في ظل الإستقطاب السياسي الحاد بين روسيا والغرب، والتقارب في العلاقات السودانية الروسية.
لهذه الأسباب صرحت لوكالة (ريا نوفوستي) الروسية، مؤكدا ان الإتفاقية ينظر لها السودان في إطار العلاقات المتطورة بين البلدين وان السودان لم يلغ هذه الإتفاقية، تنفيذها مسألة فنية يتباحث حولها أهل الإختصاص، ولا أدري لماذا يتم ربط تنفيذ الإتفاقية بالعقوبات فهي مسألة ثنائية مرتبطة بمصالح مشتركة وليست موجه ضد اي طرف ثالث ، وإنما نابعة من مصلحة مشتركة للطرفين، وهنالك العديد من الدول تستضيف قواعد عسكرية من منظور تطوير العلاقات الاستراتيجية الثنائية دون أن تثير مثل ردود الأفعال هذه.
هل شهدت العلاقات مع روسيا تطورا ملموسا بعد استخدام حق الفيتو ضد القرار البريطاني الذي يرهن سيادة السودان للخارج وما هي الأفاق المستقبلية لهذه العلاقات بمعنى هل يمكن أن تتحول لشراكة استراتيجية؟
يعتبر الفيتو الروسي مرحلة متقدمة في التعاون وتبادل الدعم والتنسيق بين البلدين في المحافل الدولية، يعبر عن تضامن ودعم روسي قوي للسودان ضد المحاولات للانتقاص من سيادته، والحد من التدخل في شؤونه الداخلية بدواعي ومبررات انسانية، كما ويعبر عن علاقات ثنائية متطورة بين البلدين، ولعل المراقب لمسيرة العلاقات مؤخرا يلحظ تقاربا بين البلدين، ورغبة وإرادة حقيقية لتطوير هذه العلائق، خاصة وان روسيا من الدول التى وقفت مع السودان وقفة قوية خلال هذه الأزمة ومثلت صمام أمان ضد اي محاولات للانتقاص من الشرعية للمؤسسات السودانية خاصة القوات المسلحة. ينطلق ذلك من مبادي وموجهات السياسة الخارجية الروسية التى تقوم على السيادة المتساوية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبناء العلاقات على أساس المصلحة المشتركة دون فرض اي مشروطيات ايديولوجية وسياسيات نيوكولونيالية.
هنالك أفاق واعدة جدا لعلاقات ثنائية مستدامة، ومتطورة ومزدهرة لترتقي مستقبلا لشراكة استراتيجية في كافة المجالات، بدأت بوادر هذا التطور تظهر في العديد من المجالات والتباحث حول مشروعات هامة في قطاعات حيوية مرتبطة بزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية، والتنقيب عن المعادن، حيث تم التوقيع على إتفاقية تنقيب وإستكشاف بين شركة زاروبيج جيولوجيا ووزارة المعادن في يونيو الماضي. وهنالك ايضا مشروعات مرتبطة بالأمن الغذائي وتطوير المواني والتدريب ورفع الكفاءة، وتبادل الخبرات وغيرها في العديد من المجالات التى لمسنا فيها رغبة حقيقة وجادة من الجانب الروسي.
البعض يري ان الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصورة عامة يتخوف من التقارب السوداني الروسي، وربما ينعكس هذا التخوف سلبا على علاقة السودان مع هذه الدول؟
مفهوم ذلك في ظل حالة الإستقطابات الحادة في المسرح الدولي، ولكن لا يجب ان تكون العلاقات بين الدول صفرية بحيث ان تطوير العلاقة من روسيا او غيرها من الدول يأتي خصما على العلائق مع دول اخرى.
نحن ننظر لعلاقاتنا مع دول العالم من واقع المصلحة المشتركة وتبادل المنافع، وعلاقاتنا مع روسيا ليست خصما على أي طرف آخر سواء كانت الولايات المتحدة او الدول الغربية الأخرى او حتى دول نطاقنا الإقليمي، كل من يحترم سيادتنا ويقبل علينا دون شروط مسبقة او أجندة مبطنة مرحب به، ونمضى في سياستنا الخارجية، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها السودان الان، للتقارب مع الدول التى تراعي أمننا القومي وتسعى لتبادل منصف وعادل للمصالح على أسس متساوية تعود بالمنفعة للطرفين.
البعض كان يتوقع دورا أكبر من الجانب الروسي في حل الأزمة السودانية، بتبني منبرا تفاوضي لجمع الأطراف السودانية المتحاربة على طاولة واحده؟
المعضلة ليست في تبني منبر تفاوضي وإنما في إرغام المليشيا الإرهابية الغلتزام بما تم الإتفاق عليه. لم تراع هذه المليشيا اي عهد ولم تحترم اي اتفاق ولذلك ينبني موقف الحكومة في تنفيذ مخرجات جدة اولا ثم النظر في اي خطوة تالية. وهذا من باب المنطق اذ كيف للحكومة السودانية ان تضمن إنها ستنفذ غي اتفاق ولدى المليشيا سجل حافل بالخروقات ونقض العهود وعدم الإلتزام، بل وارتكاب التجاوزات والانتهاكات التي بدات تستيقظ الضمير العالمي الحي. لكي تنجح اي مبادرة لابد من وقف الإمدادات للمليشيا من داعميهم ومن يقف خلفهم، وممارسة الضغوط لكي تلتزم ما وافقت عليه مسبقا.
ما هو مستوى التعاون العسكري بين البلدين في ظل محددات الحرب الروسية الأوكرانية؟ مع العلم ان هناك إتفاقيات عسكرية بين البلدين؟
التعاون العسكري بين البلدين قديم، ومعلوم ان معظم السلاح السوداني منشاه روسيا وقد طور البلدان مستويات جيدة في التعاون العسكري عبر الإتفاقيات الموقعة بين البلدين في هذا المجال، لا شك ان الحرب الروسية الأوكرانية فرضت واقعا جيوسياسيا له انعكاسات وارتدادات ذات ابعاد متشعبة ليس في العلاقات السودانية الروسية فقط، وإنما في نمط العلاقات الدولية كلها.
سبق وان زار وزير الطاقة روسيا مؤخرا. هل هناك أي مشروعات للتعاون في مجال الطاقة والنفط، وهل سيكون لروسيا دور في إعادة الإعمار بعد الحرب؟
كانت زيارة وزير الطاقة والنفط هامة جدا ومثمرة حيث وضع مع نظيره الروسي الأسس والخطوات العملية لتعاون ثنائي بناء في مجالي الطاقة والنفط واهمها تفعيل البنود الواردة في بروتوكول التعاون بين البلدين الذي تم التوقيع عليه في أغسطس من العام 2022 ضمن اعمال اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، زار وزير الطاقة موسكو، وبمعيته وفد فني التقى بالمختصين في عدد من الشركات الروسية الرائدة في مجالي الطاقة والنفط وتم التباحث حول تفعيل التعاون فيما تم الإتفاق عليه في السابق وبحث أطر جديدة لتعزيز الإستثمار الروسي في هذين المجالين الحيويين والتي تتميز فيها روسيا بتجربة رائدة وتكنولوجيا متقدمة.
هل نتوقع زيارات رفيعة المستوى الى موسكو خلال بداية هذا العام؟
الإتصالات والتواصل السياسي سمة بارزة في العلاقات بين البلدين. ان المتتبع للحراك في العلاقات يلحظ بصورة وأضحة الزيارات المتبادلة على كافة المستويات الفنية والوزارية والتي تجد الترحيب والرغبة المتبادلة للدفع بملفات التعاون خطوات متقدمة، في ظل هذا المستوى المتطور من العلاقات من المتوقع ان تزداد وتيرة الزيارات بين البلدين على مستويات رفيعة.